السبت، 12 فبراير 2011

من مصادر التاريخ العماني في عهد اليعاربة

من مصادر التاريخ العماني في عهد اليعاربة
"كتاب منثورة جوابات المشائخ"

المنثورات أنموذج يقترب من نمط التأليف الجماعي
أرض الباطنة .. جدل فقهي تاريخي امتد لقرون
في أحد النصوص : التسامح العماني في التعامل مع البرتغاليين
لمدينة صحار حضور بارز في نصوص الكتاب

إبان العصر الذهبي لعهد أئمة اليعاربة الذين حكموا عمان إبان القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين شهدت عمان حراكاً علمياً خلّف تراثاً علمياً لا نزال نتفيأ ظلاله إلى اليوم.
ومن أشكال التأليف التي انتشرت آنذاك جمع الآثار العلمية دون ترتيب لعدد من العلماء والفقهاء، وعكس هذا النوع من التأليف حضور العلماء في شتى نواحي الحياة وتأثيرهم في حركة المجتمع .
ويقترب هذا الصنف من التآليف مما يعرف بالتأليف الجماعي مضموناً ، وهناك من التآليف عند العمانيين ما عرف بالمنثورات وهي جمع مسائل عدد من العلماء في قالب واحد دون ترتيب ، لذا عرفت بالمنثورات. ومن النماذج لذلك متاب منثورة الأشياخ وديوان الأشياخ.

كتاب منثورة جوابات المشائخ

من أوعية التراث العلمي التي حفظتها لنا الأيام كتاب (منثورة جوابات المشائخ من علماء المسلمين) والأصل المخطوط من الكتاب محفوظ بدار المخطوطات بوزارة التراث والثقافة برقم 1265 . صدر المؤلف الكتاب بعبارة (هذه منثورة مختصرة بجوابات المشائخ من علماء المسلمين متعنا الله بوجودهم).
وفي ذلك ما يشير إلى معاصرة المؤلف أو جامع المسائل لأولئك العلماء أو بعضهم ، مع أن اسم المؤلف لم يرد في أول الكتاب ولا في آخره ، كما لم يأت الكتاب مبوباً ولا به ترتيب للأبواب كما في أكثر المخطوطات العمانية ، ولعل ذلك ما يميز المنثورات غير المبوبة وغير المرتبة. غير أنه رتب نصوص الكتاب حسب العلماء الذين أجابوا على تلك المسائل فجعل لكل عالم مسائله التي أجاب عليها ، ويظهر ذلك من التحمير (الكتابة بالمداد الأحمر) وهو ما يستخدمه النساخ في كتابة عناوين الأبواب ورؤوس المسائل.
وفي آخر الكتاب ورد اسم الناسخ (قاسم بن مسعود بن مقدح) ساكن مدينة صحار ، وسنة النسخ (1061هـ) أي في عهد ثاني أئمة اليعاربة الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي . وذكر أنه نسخه لراشد بن عبدالله الوالي.
تضمن الكتاب عدد كبيراً من المسائل الفقهية عن علماء الصدر الأول من عهد اليعاربة وتصدر نصوصه مسائل عن الشيخ محمد بن عمر بن أحمد بن مداد وهو قاض وفقيه تتلمذ على بعض علماء القرن العاشر الهجري كالشيخ عمر بن سعيد بن معد البهلوي والشيخ عبدالله بن محمد القرن المنحي وأدرك قيام دولة اليعاربة وعاش في عهد الإمام ناصر بن مرشد وتولى القضاء له . والشيخ مسعود بن رمضان بن سعيد النبهاني الذي أخذ العلم عن الشيخ عبدالله بن محمد القرن أيضاً وكان أحد قضاة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي وأحد قادة جيوشه . والشيخ صالح بن سعيد بن مسعود بن زامل النزوي الذي أخذ العلم عن الشيخ محمد بن عمر بن مداد وكان قاضياً للإمامين ناصر بن مرشد وسلطان بن سيف اليعربيين وله مسائل كثيرة في كتب الأثر. والشيخ عبدالله بن محمد بن غسان بن محمد بن غسان الخراسيني النزوي وهو أحد كبار العلماء في صدر عهد اليعاربة وكان والياً وفقيهاً وله كتاب خزانة الأخيار في شرح بيوعات الخيار ويقع في ثلاثة مجلدات.
ثم ينتقل المؤلف إلى أجوبة أكثرها عن الشيخ العلامة خميس بن سعيد بن علي الشقصي الرستاقي ، وهو رأس العلماء الذين عقدوا البيعة على الإمام ناصر بن مرشد اليعربي سنة 1034هـ وقد كان الإمام ربيباً له وتربى على يديه . تتلمذ على يد عدد من العلماء منهم الشيخ صالح بن محمد بن صالح النزوي ، وتتلمذ على يديه عدد من العلماء . كان أحد أركان دولة الإمام ناصر بن مرشد وأحد قادة جيوشه في إجلاء البرتغاليين . ترك الشيخ خميس الشقصي عدداً من التآليف أشهرها موسوعته الفقهية (كتاب منهج الطالبين وبلاغ الراغبين).
والناظر في كتب الفقه على مر الحقب التاريخية العمانية يجدها حافلة بالمادة التاريخية ، وقد أشرنا إلى ذلك غير مرة في قراءات سابقة. ولم يكن عهد اليعاربة عن ذلك بمعزل فكتب الفقه التي ظهرت في ذلك العهد مشحونة بالتاريخ. وبالنظر في الكتاب المذكور نجده احتوى على مادة تاريخية غزيرة حازت منطقة الباطنة ومدينة صحار نصيباً وافراً منها.
فمن النصوص التي تحفل بالكثير من الإشارات التاريخية: (ومنه في رجل من العمور بعد ظهور الحق في صحار بملك الإمام لها جاء إلى مال في يد رجل وقال هذا المال مالي وفي حوزي ومنعي إلى أن أصبحنا طايرين من صحار يوم أخذ عمير بن حمير والإفرنج لها ، قال الذي في يده المال القابض هذا المال مالي مخلف علي أو قال غير مخلف إلا مالي وملكي أحوزه وهو في يدي إلى هذه الساعة ، فهل تجب البينة بينهما قبل طيرة صحار والعمور منها ؟ أم هذه الساعة عند الدعوى؟ كيف الوجه في ذلك؟)
وفي نص آخر نقرأ إشارة إلى الصناعات الفخارية والخزفية التي اشتهرت بها مدينة بهلا: (ومن جواب الشيخ مسعود بن رمضان : فيمن أقر لزوجته بجميع ما في بيته ، ويخلفه من بعد موته من آنية الخزف إقراراً منه لها بحق وضمان لزمه لها ومات ، هل تكون الآنية التي من صنعة بهلا داخلة في الإقرار ، وكذلك الوعاء الخشفي الذي يجي من العجم ومن الهند؟ بين لنا ذلك . الجواب: أما أوعية بهلا فهي داخلة في الإقرار ، وأما الخشفي والأوعية التي تجي من الهند فليست تلك من أوعية الخزف ولا تدخل في الإقرار ، والله أعلم). ونجده في المقابل أشار هنا إلى ما يستورد من أوان بقوله: (الذي يجي من العجم والهند). ولعل العجم هنا بلاد فارس آنذاك.

البيدار والهنقري .. أنموذجان لخصوصية المصطلح العماني

حول الزراعة التي عرفها العمانيون منذ القدم ، وترتبت على الكثير من أشكالها أحكام فقهية وعرفت تفاصيلها باصطلاحات متداولة لا تخلو في كثير من الأحيان من خصوصية عمانية نجد النص الآتي حول العلاقة بين الفلاح (البيدار) وصاحب المال (الهنقري) وهو قوله: (في بيادير أهل الباطنة يتجر البيدار للقيض أو للصيف بكذا كذا جراب من القيض، أو بكذا كذا جري حب من الصيف ونفاق كذا كذا جري حب وكذا كذا جراب نفاق وكذا كذا لا يوة رشوة وكذا كذا لارية قرض لعى خدمة الصيف ، والبعض منهم يجعلوا أجرة البيدار قطاعة من الزرع كذا كذا من جلب الزرع شيء معلوم متفقين عليه ودخل البيدار في العمل عند الهنقري في الصيف أو القيض وتم عنده قدر نصف شهر أو أو أو أقل وطلع عنه وخدم عند غيره فرفع عليه الذي كان خادماً عنده أول وطلب منه إما أن يرجع إلى خدمته أو يسلم له ما سلمه إليه ، فقال البيدار ما عندي شيء ولا أرجع إليك وأنا أخدم وأوفيك ، ما الذي يجب في ذلك؟ وإن طلب البيدار الحساب من الهنقري بقدر ما خدم وقال الهنقري إما أرجع في الخدمة وأما مالك حساب عندي ، وإن اطلعه الهنقري من عمله من غير سبب أله جميع ما قوطع عليه من الإجارة أم به بحساب الأيام التي خدمها سوى أن طلع من ذات نفسه أو أطلعه من سبب أو بغير سبب ، كان الشرط عند الدخول إلى الصيف أو إلى القبض أو إلى كذا كذا شهر ، أكله سوي أم بينهما فرق في ذلك ؟ أنعم برد الجواب. الجواب: وبالله التوفيق ، أرجو أن هذا يخرج من الإجارات المجهولة)...

أرض الباطنة .. جدل فقهي وتاريخي امتد لقرون غابرة

في كثير من نصوص التراث العماني تطرح قضية أرض الباطنة وإشكالات حيازتها وزراعتها وما إلى ذلك من أشكال التملك والتصرف ، وتلك قضية تاريخية تعود إلى جذور بعيدة تشير بعض النصوص إلى أنها تعود إلى الجوائح التي حدثت في بعض أنحاء عمان سنة 251هـ في عهد الإمام الصلت بن مالك الخروصي أحد أئمة القرن الثالث الهجري ، بالإضافة إلى استيلاء بعض ما عرف بالجبابرة في اصطلاح الفقهاء والمؤرخين العمانيين على بعض بقاع الباطنة.
وفي الكتاب الذي نحن بصدده نجده تعرض لهذه القضية في عدة نصوص وبأشكال عدة منها مثلاً ما نصه:
(في الأفلاج التي تظهر في الباطنة من توابع صحار ، ناس أجبوا إلى فلج ودخلوا في عمله وخدموا فيه زماناً قدر النصف أو أكثر ، ولم يسقوا بمائه وساروا عنه وجبوه ناس آخرون أرادوا يحفروه بعد الأولين فعارضوهم فيه أصحاب الخدمة الأولى وأرادوا منعهم منه ، ألهم ذلك عليهم من أجل أنهم سبقوا عليه قبلهم وجرت فيه خدمتهم؟ أم هذا الفلج من الغوايب وحكمه للإمام يمنع من يشاء من خدمته ، وإن وجب حكمه للإمام وطلب الذين خدموا هذا الفلج أجرة خدمتهم من الإمام ألهم أجرة أو لا؟ وسواء جرى هذا الفلج أو لم يجر؟ وما حكم فلج غرابة أهو جاهلي أم إسلامي؟ أنعم برد الجواب.
الجواب: وبالله التوفيق إن الذي معي إنه كان الحافر الأول حفر هذا الفلج وتركه قبل أن يسيح منه الماء على أن لا يعود إليه فليس له منع غيره عنه ، ويسمى هذا الترك ترك اختيار ، وإن كان هذا الحافر تركه ليستعد له ويعود إليه فلا يجب لمن جاء من بعد أن يعارضه ،وهذا الترك يسمى ترك اضطرار ، فعلى هذا الوجه الأخير إذا جاء العاقب بعد المبتدئ وأخرج الماء وسقى به فالفلج لمن أحرجه وسقى ولمن حفر من قبل أجرته عليه ولا يبطل عناه إذا كان في نيته الرجوع إليه . وأما فلج غرابة فلم أجد فيه أثرا أعتمد عليه وإنما جاء الأثر في فلج صحم أنه كان يسقى في الإسلام وكان الإمام أطلقه للإمام في العلم والدين محمد بن محبوب رحمه الله . وأما أفلاج الباطنة في هذه الأيام لا يجوز فيها الدخول لأحد إلا برأي الإمام لأنها أرض يطؤها خف دولة الإسلام والله أعلم).
فنجده هنا تعرض لمسألة الأفلاج التي أحدثت فيما بعد، بينما نجده نص صراحة باسم أحد أفلاج الباطنة وهو فلج غرابة ، ثم استطرد المجيب وأشار إلى فلج صحم بأنه حكم فيه الإمام محمد بن محبوب وهو أحد علماء القرن الثالث الهجري كما هو معلوم.
وفي نص آخر حول الإشكال ذاته (أرض الباطنة) نجد ما نصه: (ومنه وفي أرض الباطنة التي هي ليس بملك لأحد إذا جاء رجل لأرض منها وقرح فيها طوياً أو قشب منها الشجر أو هاس أرضاً وسار عنها إلى غيرها ، ثم جاء رجل آخر فطلب الأول أجرة خدمته في هذه الأرض ، او أراد أن يمنع من أردا الزرع فيها لأنه يريد زرعها في السنة القابل ، أله ذلك أم لا ؟ . الجواب : قد جاء الأثر أن من جاء إلى موات من الأرض ليس فيها أثر عمارة ولا بناء ورثها وسقاها الماء فهو وورثته أولى بها من غيره ، ولا يجوز نزعها منه . وأما أرض الباطنة اليوم حكمها للإمام لا يجوز لأحد أن يتخذها إلا من تقدمت له فيها يد من قبل فلا تنزع من يده حتى يصح أنه مغتصب أو متغلب عليها ، وحكم الباطنة حكم الغوايب على ما جاء في الأثر والله أعلم).
ونجده في نقله لجواب من الشيخ خميس بن سعيد الشقصي أيضاً في أحكام أرض الباطنة يقول: (في الأرض الخوارج من الباطنة ، وما حكم المسلمين فيها؟ أعندكم أنها من الغوايب أم لا؟ أرأيت إن كانت من الغوايب فأين حدها من الغرب والشرق والجنوب والشمال؟ بينوا لنا ذلك لنا نجد في بعض الأماكن أثر أطوى وجلب للزرع يكون ذلك بقرب البلدان أو بعيدا عنها ، وأكثر الأماكن ما فها إلا السمر والغاف ، ومن حكم مولانا الإمام ناصر بن مرشد بن مالك الرستاقي والناس يفسلوا ويعمروا في تلك الأرض ، وولاة الإمام يأخذوا من تلك النخل والزرع العشر من قليل أو كثير ، أيكون هذا الأخذ على الصواب أو لا؟ الجواب: وبالله التوفيق أما أرض الباطنة فقد نطق بها الأثر مجملاً أنها من الغوايب ولا يجوز تمليكها أصلاً ، وأما حدها فلا نحفظ شيئاً في تحديدها ، والنظر يوجب أن يكون القول فيما فيه أثر العمارة دون الخرابات الخارجة عن العمار).
ففي هذا النص الأخير نجد التأكيد صراحة على عدم جواز تمليك الأرض من الباطنة عدا الحدود التي يراها أهل النظر ، والإشكال حاصل منذ قرون كما أسلفنا ، ويستنتج ذلك من خلال ما ورد من إشارات في بعض المصادر.

مدينة صحار في نصوص الكتاب

أشرنا في ديباجة هذه الأسطر إلى ناسخ المخطوط وإشارته إلى كونه من مدينة صحار ، كما ورد ذكر مدينة صحار في النصوص السالفة حول قضايا وإشكالات أرض الباطنة ، ونجد في نصوص الكتاب حضور المدينة في عدد من المسائل الأخرى ، منها مثلاً قوله : (ومنه في معرفة قياس حد الفرسخ من صحار إذا أراد أحد قياس ذلك أيبتدي بالقياس من جامع البلد الكبير الذي تجب فيه صلاة الجمعة السالف؟ أم حد عمران البلد يبتدي بالقياس وهل يكون بالذراع الذي جاء به الأثر ثلاثة اشبار أم بذراع الناس اليوم ، بيّن لنا جميع ذلك). وقوله: (ومنه في حد عمران صحار من الغرب والشرق لمعرفة القصر والجمع.
الجواب: يكون حكمها على ما سلف من غربي حدها وادي صلان ومن شرقها حدها وادي مجز وقول الوادي الصغير الذي دونه ، وكل بلاد على ما تقدم حكمها. والله أعلم).
وحول ذات الموضوع (قصر الصلاة) نجده يقول: (ومن غيره زيادة زادها الناسخ لهذا الكتاب الفقير لله ناصر بن ثاني في معرفة حد الفرسخين من جامع صحار الذي في الحارة المعروفة بحصن بالأحم بقرى ساحل البحر ، فإذا كنت قاصدا للشمال فإذا انتهيت إلى الشرجة المعروفة بأم الخلاقين من قرية عمق فهناك نهاية الفرسخين حساب كل فرسخ اثنا عشر ألف ذراعاً بذراعنا اليوم ، وإن كنت قاصداً إلى الجنوب فإذا أخذت الحساب من المسجد الجامع المذكور إلى حد موضع يقال له الحد وهو ما بين عوتب ووادي مجز من قرى صحار فهناك نهاية الفرسخين على ما قد بينته والله أعلم بصحة ذلك ، وبه التوفيق).
وهنا يصرح الناسخ بأنه النص زيادة من نقله وفي ذلك يتضح أنه ليس هو المؤلف أو الجامع ، ويشير إلى بلدان ومواضع في صحار كحصن الأحم وشرجة أم الخلاقين وقرية عمق وعوتب ووادي مجز والمسجد الجامع.
وفي سياق مسائل المعاملات نجد الإشارة إلى سوق صحار والعملات المتداولة آنذاك كما في النص: (ومنه إذا باع سلعة في سوق صحار بكذا أو كذا لارية فضة ، وكان صرف اللارية في البلد بالشاخ الفرخ والفلوس الصفر ، ولم يشترط الدلال بشيء معلوم عندما وجب السلعة بل قال قد بعته بكذا لاية فضة واختلفا عند تسليم الثمن صاحب السلعة طلب اللارية الخلاص والمشتري يريد أن يسلم جواز البلد من شاخ أو فلوس ، ما الذي يجب في مثل هذا؟ الجواب: إن كان نقد البلد مختلفاً فلا يجوز البيع إلا بشرط نقد معروف ، وإن لم يكن شرط بنقد معروف بين المتبايعين فالبيع منتقض حتى يكون على نقد معروف ، وإن كان نقد البلد واحد فله نقد البلد ، والله أعلم).
وفي سياق متصل نجد الإشارة إلى أن الأفلاج كانت تستخدم لتدوير الرحى التي تطحن بها الحبوب ، وتشبه هذه التقنية ما يعرف بالنواعير في بعض البلدان ، ونجد ذلك في قوله: (ومنه والأفلاج التي ظهرت في صحار والباطنة والقرايا إذا أراد الوالي أن يركب رحى على إحدى هذه الأفلاج لبيت المال رضوا أهل الفلج أو كرهوا أيجوز ذلك أم لا ؟ الجواب : أرجو أنه لا يجوز إلا برضى أرباب الأفلاج إلا أن تكون هذه الأفلاج محكوم بها لبيت المال والله أعلم).
كما أشار نص آخر إلى ظهور أفلاج في صحار في ذلك العهد وما نتج عن ذلك من إشكالات ، وذلك في قوله: (وكنت قد سألتك سيدي عن حجة هذه الأفلاج التي ظهرت الآن في صحار وممرها في أملاك الناس وتحت طرق ، وقلت لي في جوابك لي الأول أن الذين يتبعون السواقي المأثورة من قبل فهم أن يجددوها كما كانت ويصلحون الطرق حتى لا يكون مضرة على من يمر فيها فهذا الجواب يكون عاماً في أفلاج الباطنة التي تحفر اليوم؟ أم تعني إلا أفلاج عمان خاصة؟ فأنا أسألك سيدي عن هذه الأفلاج التي تخدم اليوم الآن وهي قديمة ، ما أحد يعلم بها أنها سقت في الإسلام ، خص لي سيدي الفرق في ذلك . الجواب: والله الهادي لطريق الحق والصواب : الحكم سواء في جميع الأفلاج التي في القرى كلها والله أعلم).
وحول أفلاج صحار والباطنة أيضاً نجد ما نصه: (ومنه ما تقول سيدي في هذه الأفلاج التي ظهرت في الباطنة في صحار وغيرها وتخطف تحت طرق المسلمين ألأصحاب هذه الأفلاج أن يتبعوها ويخدموها من أين تخطف إن كان في طريق أو في ملك أد إذا كان ممر الفلج سابق له من أول وله رسوم بالصاروج؟ أم لهم أن يخدموا في أملاك الناس إلا برضاهم ولأهل الأرض قيمة أرضهم من مجرى الفلج بما تقوّمه العدول؟ أو كيف السبيل غلى خدمة هذه الأفلاج؟ أنعم برد الجواب . الجواب : أما الذين يتبعون السواقي المأثورة من قبل فلهم أن يجددوها كما كانت ويصلحون الطرق حتى لا تكون مضرة على من يمر فيها ، وأما السواقي الحدث في الطرق فلا يعجبنا ذلك ، والمسملون ينهون عن الأحداث في الطرق ، والله أعلم).
ونجد من خلال النص أن تلك الأفلاج قد أحياها من أحياها وقد وجدت من قبل بدليل قوله: (أما الذين يتبعون السواقي المأثورة من قبل) وفي ذلك إشارة إلى قدم وجود الأفلاج في منطقة الباطنة من عمان رغم اندثار الكثير منها منذ قرون.

البرتغاليون في مسقط وصحار

ولما كانت عمان إبان الصدر الأول من العهد اليعربي والذي جاء الكتاب بنصوص علمائه ، كانت مشغولة بدحر الاحتلال البرتغالي، فللشأن ذاته نصيب من النصوص التي عالجت الكثير من القضايا الشائكة آنذاك، فنقرأ في الكتاب جواباً من الشيخ خميس بن سعيد الشقصي في حرب النصارى (أي البرتغاليين) ونصه: (وعن الإفرنج وأعوانهم من الكفار من صحار إذا كان الإمام محارباً أهل مسكد أيكون المشركون وأتباعهم من صحار حرباً للمسلمين أم لا؟ الجواب: ما دام الإمام لم يأمر بحربهم ولا بدأوا هم بحرب فترك الحرب أسلم ، وإن أمر الإمام بحربهم فيستعان بالله على حربهم ، وكل من دخل بأمان من الكفار وغيرهم وأعطاه المسلمون الأمان فهو في ذمتهم ، ولا يجوز للمسلمين استباحة مالهم ولا دمهم ، وكل من ظفر به أهل الحرب بعد مناصبة الحرب حل منه ما يحل من أهل الحرب وحكم فيه بحكم المسلمين كان من أهل الشرك أو من بغاة أهل القبلة ، والله أعلم).
وهنا يتضح بجلاء إنصاف العمانيين لعدوهم وحكمتهم في التعامل مع من دخل في ذمتهم مع توفر القدرة عليهم .
وأخيراً فإن الكتاب أنموذج للتآليف العمانية في عهد اليعاربة التي يمكن اعتبارها مصادر أساسية للتاريخ الاجتماعي لعمان لتلك الحقبة ، وليس ما أوردناه هنا سوى نزر يسير.

محمد بن عامر العيسري

هناك 6 تعليقات:

  1. اليعارب هم من اسل العرب الذين نزحو اثناء انهيار سد مارب ومعهم قبائل الايزيدي التي ينتمى اليها البوسعيدي الان وهذا في تاريخ عمان القديم ارجع له

    ردحذف
  2. لاتوضيح الازدي

    ردحذف

  3. السلام عليكم ورحمة الله

    الأخ الفاضل

    تحية طيبة


    مما لاشك فيه أخي الكريم أن اليعاربة هم من الأزد القحطانيين اليمانيين الذين نزحوا على أثر أنهيار سد مأرب ومعهم جميع الأزد الذين تفرعت منهم قبائل كثيرة في عمان و الجزيرة العربية و بلاد الشام و العراق و بلاد الأحواز التي تقع ضمن الجمهورية الإيرانية اليوم .

    و البوسعيد هم أحد فروع الأزد وهم من أزد العتيك التي يذهب الشيخ حمود السيابي إلى أنها أيضا ينحدر منها آل يعرب و آل نبهان .

    أرجو منك مراجعة نسب آل يعرب في هذه المدونة .

    لك تحياتي

    ردحذف
  4. If one innocently applies an insufficient amount of sealer on a very
    porous concrete material, the said
    material may not be effective at all. The estimate you receive will be based on the
    number of skips you need, what size skip you want, and
    how long you plan to keep it. For faster setting concrete,
    use less water, for more workability, use more water.

    ردحذف
  5. ياترى في عهد اليعاربة كانت عمان قوة عظمى هل حد منكم يعرف كم كان ترتيبها عالميا آنذاك

    ردحذف
    الردود
    1. تحية طيبة أخي الكريم

      سؤال جميل ، لكن لا يوجد يوجد لدي جواب دقيق.


      في فترة حكم اليعاربة لعمان كانت هناك مجموعة قوى في العالم ، كان هناك الدولة العثمانية ولم تكن قد فقدت هيبتها بعد ، وكان هناك القوى الأوروبية الصاعدة و التي غدت قوى استعمارية فيما بعد سيطرت على دول الخليج فيما سيطرت ، من ضمنها عُمان . وكان هناك الدولة الصفوية التي سعدت للتخلص من القوة العمانية لتفرض سيطرتها على ساحل الخليج العربي .

      لكن ماهو ترتيب القوة العمانية ؟ ليس لدي جواب الآن ، كل ما نستطيع تأكيده أنها كانت دولة ذات قوة معتبرة ، حتى أن الأمبراطورية العثمانية كانت تتعامل معها كدولة لها ذاتها الإعتبارية و كصديقة وليس كدولة تابعة لها .

      حذف