السبت، 12 فبراير 2011

تقلب الأحوال بجبرين



اعلم أن جبرين بعد موت الإمام بلعرب تقلبت به الأحوال، وتوالت عليه من الدهر أعمال، ولعبت فيه أيام الدولة اليعربية نفسها رجال لترى الأيام الناس في تبادلها بينهم أعمالا يعتبر بها العاقل، لقد تعب فيه الإمام بلعرب رحمه الله فأنفق في بنائه ثلاثا وعشرين كرا، وخزن فيه لحوادث الدهر مثلها، وبعد موت بلعرب تولاه أخوه سيف بن يلطان، وبقى في يده عهدا ثم عاد عليه ولده أي ولد الإمام بلعرب، وهو يعرب ابن بلعرب، فوجد في الحصن تخريبا فأصلحه، فبلغ إصلاحه أربعين ألفا، وسبب التخريب الحرب التي دارت بين سيف وبلعرب.

وبعد ذلك افترق آل يعرب وتخاصموا فيما بينهم، وقام كل واحد يدعي الزعامة له، واستنصر بعضهم بخلف بن مبارك المعروف بالقصير بصيغة التصغير، يعد ما كانوا يريدون عمان، وهم أهل الحل والعقد، وتعلق بعضهم بمحمد بن ناصر الغافري بعد ما كانوا مرجع الغافري والهنائي، قال أمر حصن جبرين أن يقتعده محمد بن ناصر ليجعله ملجأه الذي يلجأ إليه، ومأواه الذي يأوي فيه.

وكان العقد في كل شهر بثلاثمائة محمدية، ولعله حيلة مدبرة، فكان من قدر الله أن قتل محمد بن ناصر في حيلة بصحار في حال خصامه لخلف بن محمد، فقبض ناصر بن محمد بن ناصر على حصن جبرين، وبقى في يده عهدا ثم تآمر عليه اليعاربة فقبضوا عليه أي ناصر بن محمد عند باب بادي في بلد بهلى، فلم يقتلوه إلا بتسليم الحصن، فرأى الموت بين عينيه، ففدى نفسه بتسليم الحصن لهم، وبقي في أيديهم.

وكان بنو غافر يضمرون لهم العداوة فكان بجادين سالم يتحين غفلة اليعاربة حتى أمكنته الفرصة فقبض هذا الحصن في حال غفلة
اليعاربة، وعلى كل حال إن المأخوذ غافل والمطلوب مقهور يوما ما، ولما قبضة بجاد سلمه إلى ناصر بن محمد وعض عليه بالنواجذ، ثم إن بلعرب بن حمير بن سلطان وهو ابن أخي الإمام الباني مكنه الله من بجاد المذكور فقبض عليه.

وكان المذكور قاهرا لنزوى، فأدع بجاد السجن، ثم قتله في السجن بحصن نزوى، وعاد الحصن لآل يعرب وتمركزوا فيه، حتى عادت الأقدار لتنزعه منهم وتريهم ما يسوءهم فأخذ هذا الحصن بنو غافر سنة ست وثلاثين ومائة وألف بغد موت الإمام سيف بن سلطان قيد الأرض بثلاث عشر سنة، ولم يزل الحصن في يد بني غافر إلى سنة سبع وخمسين ومائة وألف، أي واحد وعشرين سنة، وهم يديرون الحيل لاسترداد إليهم فدخلوا في خادم لراشد بن حميد الغافري، وأدخلهم الحصن فتولوه، وبقي الخادم عند اليعاربة محترما، ولكن ماذا يكون من هذا الخادم الذي خان لآل يعرب، لابد يخون لغيرهم، ولا يطمئن إلى خائن إلا جاهل.

فبعد مضي ستة أشهر دخل الخادم الحصن بحيلة من العسكر القابضين له، وهم مطمئنون من الخادم لأنه كان معهم باطنا وظاهرا، فلما دخل أغلق الباب وأطلق الرصاص على العسكر فقتل منهم سبعة رجال، فاجتمعوا عليه وحصروه، وما يريد الخبيث؟ أيريد أن يكون سيد الحصن؟ فلم يقدروا عليه لأنهم لا يدرون أين هو، وإذا رأى أحدا منهم رماه ولكنهم أحرقوا الباب، وهجموا عليه بغير مبالاة، فلما أحس أنه مقتول أطلق النار على مخزون البارود، وكان مخزنا كبيرا يجمع أبهرا عديدة من البارود، فقام البارود كالرعد واشتعلت فيه نار عظيمة، فاحترق غالب الحصن، إذ ظلت النار تموج فيه كالبحر وطير قطعا كالسحاب وأخيرا تولاه آل يعرب وكان زعيمه محمد بن سليمان اليعربي، فقام عليه راشد بن حميد بن راشد بن ناصر بن محمد بن ناصر، وأحاط به هو وجماعته، وكانوا رهطا وكان زعيما مطاعا، فخرج منه محمد بن سليمان يوم سابع من شهر شعبان سنة تسع وخمسين ومائة ألف، وبقي آل يعرب في بهلى، فقام عليهم فيها فطردهم منها، وبقيت بهلى وجبرين في أيدي أولاد راشد بن حميد إلى أن أخرجهم منها الإمام عزان بن قيس رحمه الله.

ثم عاد إليهم عاد إليهم بعد انتهاء دولة الإمام المذكور، ثم أخرجهم منها الإمام سالم بن راشد الخروصي رحمه الله في عهده ولم تعد إليهم إلى اليوم، هذه أحوال جبرين التي تقلبت به أوردناها وإن خالفت أسلوب التاريخ للإفادة.

المصدر /

كتاب (عُمان عبر التاريخ ) للشيخ سالم بن حمود بن شامس السيابي ، الجزء الثالث .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق