الأحد، 17 أبريل 2011

رسالة الإمام ناصر إلى ابن عمه سلطان بن سيف

أرد الإمام ناصر بن مرشد اليعربي أن يستعمل ابن عمه الشيخ سلطان بن سيف اليعربي ـ والذي صار الإمام بعده ـ على بعض الأمور ، فطلب الشيخ سلطان العذر ، فكتب إليه الإمام ناصر رسالة ، نصها :



( بسم الله الرحمن الرحيم . من عبدالله إمام المسلمين ناصر بن مرشد بن مالك إلى حضرة شيخنا الوالي الولد سلطان بن سيف بن مالك أمد الله في عمره أما بعد :

فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو وأوصيك ونفسي وجميع المسلمين بتقوى الله واللزوم على طاعته ، فاسمع له وأطع ، واقتد بإخوانك السالفين واتبع وأما ما ذكرته من أمورك ، فاسأل فيها أهل الفضل والورع والهداية والشرع ، الذين جعلهم الله ورثة أنبيائه ، ونورا ساطعا يقتدي به جميع أوليائه ، يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين .

وأما ما ذكرته في العاذرة من الأمر الذي جعلته عليك ، فكيف أنت اليوم ولدي جناحي الذي أنتوصل به إلى إعزاز الدين الحنيف ؛ وخليفتي الذي أخلفه ركنا لهذا المذهب ؛ فوسع صدرك ، وشارو العلماء في أمرك ؛ ولا تقطع عمرك وتضيق الصدر والحزن ، وهون على نفسك من جميع ذلك ؛ وانظر ما أمامك من العوائق والمهالك ، فإن السالم من وفقه الله ونجاه وارتضاه خليفته واصطفاه حتى حاذر من جميع معاصيه وخسه ، إلا من ضيق على نفسه وحزن في يومه أكثر من أمسه ، وقطع نفسه بالندم والهموم ؛ والكرب والغموم ؛ سلم الأمور ولدي لخالق الأرض والسماء وما فيهن وما تحت الثرى ؛ واصبر وما صبرك إلا بالله ؛ وتوكل عليه وفوض أمرك إليه ؛ واتقه حق تقاته ليجعل لك من جميع أمورك المخارج لقوله عز وجل ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ؛ ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ) فالله الله ولدي في سياسة الملوك ، لا تكن غافلا ولا مهملا لأمورك فإنك ركبت الخطر العظيم والهول الفظيع الجسيم ، فلا تلتفت ولدي إلى الدنيا ونعيمها وغضارتها ، فإنها لعب ولهو وزينة وتفاخر ؛ لا توازن عند الله جناح بعوضة ، فاجتهد في ذلك واقتد بإخوانك الماضين ؛ حيث تركوا الدنيا لأهلها ، وبذلوها لطلابها وتوكلوا على الله حق التوكل ، ولم يقصروا جهدهم في الله وإعزاز دينه وإظهار كلمته وإخماد نار البدع وإماتة الباطل وقتال الباغي العاطل ؛ فلم تخدعهم الدنيا بغرورها ولم يعدلوا إلى لذتها وسرورها ؛ حتى تركوها وراء ظهورهم وقذفوا حبها من صدورهم ، هم الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأنفقهم مما رزقهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور .

فكن ولدي حيث ظني بك ، وامتثل أمرك وراع فقراءك حق الرعاية ، وألف بين إخوانك وأصفيائك وخلانك ، وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم المفلحون فاطرح ولدي حب الدنيا ومطامعها من قلبك ، واجتهد في طاعة ربك وخذ حذرك وقو عزمك وصبرك ، وكن مثل الأسد في ذلك الغار ، ولا يكن نظرك في راحتك اليوم ، فإنك لدينا اليوم مكين أمين ؛ والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه الأمين ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) .


المصدر : كتاب ( تحفة الأعيان ) للعلامة نور الدين السالمي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق